في مساءٍ هادئٍ جميل، وثريا النجوم تتدلَّى من السَّماء الباسمة، والقمر العاري يغسل الطرقات بأشعته الضاحكة، جلست الأم أمام شاشة التلفاز تحتسي كوبًا من الشاي، بينما كان ابنها أحمد عائدًا من يومٍ دراسيٍّ شاقٍ، وبعد إلقاء السَّلام على عجالةٍ جلس إلى جانبها وقال بتردد:
أشعر بالكثير من الضغط بسبب دراستي، وأحيانًا أتساءل: هل النَّجاح في الدراسة هو أهم شيءٍ في الحياة؟
ابتسمتِ الأمّ وقالت: سؤالٌ جميلٌ يا أحمد، لكنْ دعني أسألك، برأيك، هل النَّجاح في الدراسة يكفي ليكون الإنسان صالحًا وسعيدًا؟
أجابها بعد طول تردّد: لا أظنُّ ذلك، فهناك أناسٌ متفوقون دراسيًا لكنهم لا يعاملون الآخرين بأخلاقٍ حسنةٍ، ينقصهم الإيمان والأخلاق.
الأم: أتفقنا، فالتفوق العلميُّ مهمٌّ جدًا، لكنه لا يغني عن الأخلاق والتربية الصالحة، تخيل طبيبًا بارعًا لكنه لا يحترم مرضاه، أو مهندسًا مبدعًا لكنه لا يتحلَّى بالأمانة، فالأول سيقتل المريض، والثاني سيهدر الأموال.
أحمد: فعلاً، اوافقك الرأي.
الأم: لهذا فإنَّ التربية الدينيَّة والأخلاقيَّة تأتي في المقام الأول. فالقيم والمبادئ هي التي توجه العلم والمعرفة نحو الخير، العلم بلا أخلاقٍ ودينٍ قد يؤدي إلى الفساد والظلم، أما الأخلاق والدين بلا علمٍ فقد تجعل الإنسان محدود الفائدة، وعرضةً للخداع.
أحمد: فهمت الآن، لكن ألا يمكن تحقيق الاثنين معًا؟ أعني أنْ يكون الشخص متعلمًا ومتخلقًا؟
الأم: بلى، وهذا هو الهدف الأمثل، لا أريد أنْ تُهمل دراستك، لكنَّني أريد أن أغرس فيك القيم الصحيحة لتستخدم علمك فيما ينفعك وينفع غيرك، التربية الدينيَّة الصالحة هي الماء الذي يسقي شجرة العلم فتؤتي ثمارها في كلِّ حين.
أحمد وقد ارتسمت على محيَّاه ملامح الاقتناع: إذن، عليَّ أن أسعى للتفوق في دراستي، لكن دون أنْ أنسى أخلاقي وديني.
ردَّت الأمُّ وهي ترشف جرعةً من الكوب: هذا هو المطلوب يا بني، فالعلم بدون أخلاق كسفينة بلا بوصلة، ستغرق في بحر المتاهات، وأنت بإذن الله ستكون مثالًا لمن يجمع بين الاثنين.
انحنى أحمد على رأس أمِّه وقبَّلها، وصعد إلى غرفته في الطابق الثاني ليبدل ملابسه، وبعد أن استلقى على فراشه وراح في تأمُّلٍ عميق:
حقاً، لا يمكن الاستغناء عن التربية الصالحة، كما لا يمكن الاستهانة بأهمية العلم، فكلاهما جناحان يحلّق بهما الإنسان نحو النجاح الحقيقي في الدنيا والآخرة.
وأنت ماذا تقول؟
للمشاركة برايك إضغط هنا
#مجموعة_إكسير_الحكمة