آراء ومقالاتالمرجعية الدينيةدينفكر وثقافةمنوعات

العراق بين فتويين

يدين العراق كبلدٍ ذي سيادة إلى فتاوى المرجعيَّة الدينيَّة الشيعية في تاريخه الحديث، فقد حُفظ استقلاله بين فتويين، فتوى الجهاد في ثورة العشرين سنة 1920، وفتوى الدفاع الكفائي سنة 2014 .

اندلعت ثورة العشرين في العراق في سنة 1920م ضد الاحتلال البريطاني، وسياسة تهنيد العراق، تمهيداً لضمه إلى بريطانيا، وكانت بقيادة رجال الدّين العظام، وأولهم آية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي الذي أصدر هذه الفتوى : (ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب غير المسلم في الإمارة والسلطنة على المسلمين) ٢٠ ربيع الثاني ١٣٣٧هـ.

قاد الثورة آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الشيرازي الذي عمل على أمرين،
الأول: نزع فتيل النزاع بين العشائر العراقية المتحاربة فيما بينها، وتوحيدهم لقتال البريطانيين، وهو الهدف الدينيّ والوطنيّ الأسمى.
الثاني : محاربة المشروع البريطاني في العراق عبر هذه الثورة.

توفي الشيخ الشيرازي في آب سنة 1920، فخلفه آية الله شيخ الشريعة الأصفهاني الذي كتب قائلاً : “لا تكن رحلته فتوراً في عزائمكم وتوانياً في عملكم، فالجد الجد حماة الدين وأعضاء المسلمين، النشاط النشاط) .

وبهذه الثورة خضعت بريطانيا لإرادة الشعب العراقي، وتأسست أول حكومةٍ في العراق الحديث كان على رأسها فيصل الأول.

وفي سنة 2014 هبَّت الجموع لتلبّي نداء المرجع الأعلى للطائفة السيد السيستاني (دام ظله) لقتال داعش الإرهابيّ الذي احتل تحت جنح الظلام ثلث العراق، ولقد قدَّر المسؤولون العسكريون من خارج العراق، بأنّ هذه الحرب ستبقى لفترة طويلة تصل إلى ثلاثين عاماً، ولكن بهمَّة الغيارى والمجاهدين ودماء الشهداء تحررت الأرض في فترةٍ قياسية وفق المعطيات العسكرية.

وكانت فتوى الدفاع الكفائي التي ألقاها ممثل المرجعية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي من الصحن الحسينيّ الشريف في  14 شعبان 1435 هجرية، الموافق 13 حزيران 2014 م تقول:
” إن طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي، بمعنى أنه إذا تصدى له من بهم الكفاية بحيث يتحقق الغرض وهو حفظ العراق وشعبه ومقدساته يسقط عن الباقين.
  ثم قال : ومن هنا فإنّ المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية”.

سطَّر العراقيون بدمائهم ملحمةً قلَّ نظيرها، أبدوا فيها بطولاتٍ رائعة، وحكيت عنها مواقف عظيمة، حيث ألهمتهم هذه الفتوى روح البطولة والعزم والإصرار على انتزاع النصر من أيدي الأعداء الإرهابيين.

وفي العاشر من كانون الأول سنة 2017 م كان يوم النصر العظيم للمجاهدين الأشاوس بفضل فتوى الدفاع الكفائي التي حفظت للعراق عزَّه وسيادته، وكانت تلك السيادة وجوداً بسبب ثورة العشرين العظيمة، وبقاءً بسبب فتوى الدفاع الكفائي المظفّرة، فالعراق سيد نفسه بين فتويين وبين مرجعيتين، مرجعية الشيخ محمد تقي الشيرازي في كربلاء المقدَّسة، ومرجعية السيد السيستاني في النَّجف الأشرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى