فكر وثقافة

خاتم الأوصياء الموجود الموعود

“يا ابن رسول الله ومَن القائم منكم أهلَ البيت؟ فقال “الإمام الصادق (ع) “: يا أبا بصير، هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الإماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يُظهرُه اللهُ عزّ وجلّ فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها …”

كمال الدين وتمام النعمة ج٢ ص٣٧٩

ولدته أمه السيدة نرجس (ع) في بيت أبيه الإمام العسكري (ع) في سامراء في الخامس عشر من شهر شعبان سنة ٢٥٥ هـ.

آلاف الأحاديث عن ولادته وسائر أحواله

لقد بلغت الروايات الدالة على ولادة الإمام المهدي (عج) وسائر الأخبار عن أحواله درجة القطع الذي لا تشوبه الشكوك ولا تنال منه الشبهات، حيث بلغت تلك الأحاديث درجة التواتر، وهي أعلى مرتبة يُقطَع من خلالها بصدور المضمون وصحته.

بل إنّ الروايات التي وردت في الإمام (عج) فاقت درجة التواتر بأضعاف كثيرة، فقد جمع المرجع الكبير الشيخ لطف الله الصافي الگلبايگاني (قدس) في كتابه (منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر) أكثر من ثلاثة آلاف وستمِائة حديثاً في مختلف شؤون الإمام وما يرتبط به، وكان قسماً منها من مصادر السنة الصحيحة عندهم.

حديث الثقلين والإمام المهدي (ع)

ومن الأدلة على ولادة الإمام هو حديث الثقلين الثابت عند الفريقين، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنّي تارك فيكم الثقلين ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض).

– الكافي الشريف ج١ ص٢٨٧
– الأحاديث الصحيحة للألباني ج٤ ص٣٥٥ ح١٧٦١

فكتاب الله موجود بيننا إلى يوم القيامة، فلا بدّ من وجود عِدله وهم العترة التي يجب الرجوع إليها مع القرآن، فإذا قِيلَ إنّ الإمام المهدي غير مولود، فهذا تكذيبٌ للرسول الأعظم (ص) الذي أخبر بوجود العترة واقترانها بالقرآن إلى يوم القيامة.

إخفاء الولادة

كان حكام بني العباس يترقّبون ولادة الإمام المهدي (عج) ويبثون الجواسيس لذلك، ليتم القضاء عليه عند ولادته، وذلك لعلمهم بأنه القائم المنصور، ومن الطبيعي تُحاط ولادته بأعلى درجات الكتمان والسرّية للحفاظ عليه من أيدي الظالمين.
وقد ورد عن الإمام الرضا (ع): “ما منّا أحدٌ اختلفت إليه الكتب ① وسُئِلَ عن المسائل وأشارت إليه الأصابع، وحُمِلَت إليه الأموال إلّا أُغتِيلَ أو مات على فراشه، حتى يبعث الله عزّ وجلّ لهذا الأمر رجلاً خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه).

كمال الدين وتمام النعمة ج٢ /ص٤٠٢
١) اختلفت إليه: أي وردت كثيراً.

الوليد المبارك

تروي لنا السيدة حكيمة (ع) عمة الإمام العسكري (ع) لحظات ولادة الإمام المهدي (عج) فتقول: (… وإذا أنا بالصبي “عليه السلام” ساجداً لوجهه، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبابتيه، وهو يقول: ” أشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ جدي محمداً رسول الله وأنّ أبي أمير المؤمنين، ثم عدَّ إماماً إماماً إلى أنْ بلغ إلى نفسه.
ثم قال: اللهم انجز لي ما وعدتني وأتمم لي أمري وثبّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً …)

كمال الدين وتمام النعمة ج٢ – ص٤٥٦

الغَيبة وأسبابها
الغَيبة تعني وجود الإمام بيننا ويمارس دوره لكننا نجهل شخصه ومكانه.

وأسبابُ غيبته كثيرة، منها :

١. الحفاظ على خاتم الأوصياء، فلو أنّ الظالمين عرفوا شخصة واستدلّوا على مكانه لقتلوه.
٢ . أسباب غيبية لا يعلمها إلا الله تعالى.
٣. امتحان العباد، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إياكم والتنويه، أما والله لَيَغِيبَنَّ إمامكم سنيناً من دَهْرِكم وَلَتُمَحَّصُنَّ حتى يُقَال: ماتَ، قُتِلَ، هَلَكَ، بأيِّ وادٍ سلك؟ وَلَتَدْمَعَنَّ عليه عيون المؤمنين، وَلَتُكْفَؤُنَّ كما تُكْفَأُ السُّفُنُ في أمواج البحر، فلا ينجو إلا من أخَذَ اللهُ ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّدهُ بروحٍ منه ..).

الكافي الشريف ج١ – ص٣٣٦

علامات الظهور

وهي على قسمين، حتمية وغير حتمية، أما غير الحتمية فهي كثيرة، مثل القتل والأمراض والفقر الشديد والأمطار الكثيرة وحوادث في بعض البلدان وغيرها، فيمكن أن لا تقع ويمكن أن تقع بل يمكن أن تتكرر.

أما الحتمية فهي أكيدة الوقوع، وورد التأكيد عليها في روايات كثيرة، منها ما روي عن الإمام الصادق (ع) قال: (قبل قيام القائم خمسُ علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء) ①
وقد ركّزت الروايات الشريفة على الصيحة كثيراً، متضمنةً صفاتها، وأنه لا يبقى راقدٌ إلا استيقظ، ولا قائمٌ إلا قعد، ولا قاعدٌ إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، وهو في ليلة الجمعة، ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان.

١) كمال الدين وتمام النعمة ج٢ /ص٦٥٠.

وبالعلامات الحتمية يمكن كشف كذب الكثير من الدعاوى المهدوية المنحرفة.

السفراء الأربعة

للإمام المهدي (عج) عدة وكلاء، ولكن يوجد له أربعة سفراء خاصّين، كانت تأتيهم توقيعات الإمام (عج) فيُبَلِّغونها للناس، وينقلون أسئلة الناس للإمام، ويُرْجِعون الجواب إليهم، وكان السفير الأول والثاني قد ورد توثيقهم من الإمام العسكري (ع) فقال في حقهم: (العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فَعنِّي يؤديان وما قالا لك فَعنِّي يقولان، فاسمع لهما وأطعمها فإنّهما الثقتان المأمونان).

– الوسائل ج٢٧ ص ١٣٨.

وكان الإمام المهدي (عج) يأمر كل سفير قبل موته بتبليغ اسم السفير اللاحق للناس حتى وصل الأمر للسفير الرابع علي بن محمد السمري الذي توفّي في ١٥ شعبان ٣٢٨ أو ٣٢٩ هـ، فأمره الإمام (عج) قُبَيل وفاته بأن يُبلّغ الناس بانقطاع السفارة وبداية الغيبة الكبرى، التي لا سفارة فيها، ومن ادعى السفارة فيها فهو كاذب مفترٍ.

– راجع غيبة الطوسي ٢٦٦.

التكليف زمن الغَيبة

ولا يمكن للإمام المهدي (عج) ولا لآبائه الطاهرين أن يدَعوا الشيعة تائهين في زمن الغيبة الكبرى، فإنّ ذلك خلاف حكمتهم، لذلك فقد وجّهوا الشيعة إلى الرجوع للفقهاء العدول عبر روايات مستفيضة لا يسعنا ذكرها، قد ذُكرت في الكتب الحديثية والاستدلالية، ومنها : مارواه النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب (وقال له أبو جعفر (ع) : اجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس، فإني أحبُّ أن يُرى في شيعتي مثلك).
– رجال النجاشي ص ١٠.

وما روي عن الإمام الهادي (ع) قوله : (فاصمُدا في دينكما على كل مسنٍّ في حبّنا وكل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى).
-الوسائل ج ١٨ ص ١١٠.

#مجموعة_إكسير_الحكمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى