ها هي مكَّة المكرَّمة تبتسمُ لسيوف الفاتحين الجدد الذين دخلوها من غير قتال في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة، فإذا كانت شمسُ الإسلام طلعت في سمائها قبل الهجرة، فها هي تشرق وتتوقد على أفقها بعد الفتح.
وقد دخلت قريش في الإسلام ظاهر الأمر، وإن كانت قد استسلمت في واقعه، وكان فتح مكَّة انعطافةً في تاريخ العرب والجزيرة أسس لمفاهيم جديدة، وبشَّر بعهدٍ جديد.
ولكنَّ قبيلتي هوازن وثقيف أبتا أن تدخلا فيما دخل فيه النَّاس، وعزمتا على قتال النبيِّ الأعظم (صلى الله عليه وآله).
خرج إليهم رسول الله في شوال من تلك السنة في اثني عشر ألفاً: عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح بهم مكة، وألفين من أهل مكّة ممّن أسلم عام الفتح، وقال بعض المسلمين: لن نُغلب اليوم من قلَّة، أي إننا كثيرون، ولن نُغلب بسبب هذه الكثرة.
كمن المشركون خلف صخور الوادي وأحجاره، ولما دخل المسلمون في الوادي في غفلةٍ من خطَّة المشركين رماهم المشركون بالحجارة، ثم خرجوا عليهم بالسيوف فانهزم المسلمون، والنّبي (صلى الله عليه وآله) يناديهم: أيّها الناس! هلمّوا إليّ، أنا رسول الله محمّد بن عبد الله! فلا يأتيه أحد ، ولم يثبت مع النبيّ إلَّا نفرٌ يسير منهم أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام).
أنزل الله تعالى قوله: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثمّ وَلّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثمّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لّمْ تَرَوْهَا)، و”المؤمنين” هنا للتعظيم، وأريد بها أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما أريد بها في قوله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا”.
#مجموعة_إكسير_الحكمة