هذا ما قالته السيّدة فاطمة الزهراء (ع) بعد مصابها، بعدما رضّوا الريحانةَ، ومجيء نساءِ المهاجرين والأنصار إليها.. “أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ عَائِفَةً لِدُنْيَاكُمْ، قَالِيَةً لِرِجَالِكُمْ، لَفَظْتُهُمْ قَبْلَ أَنْ عَجَمْتُهُمْ…” إلى آخرِ الخطبة.
أيُّ دنيا مقصودة هذه؟ فالسيدةُ ليست من أهلِ الدنيا والكلُّ يعرف ذلك، ولم تكن مقبلةً عليها ثم تركتْها أو مُحبّةً لها فكرهتْها فتكون عائفةً لها الآن..
لا بدّ أنّها (عليها السلام) تريد التنبيه على أنّ دنياكم – لاسيّما بعد رحيلِ رسول الله (ص) والانقلاب على الأعقاب – لا تجتمع مع دين أبيها، فتبرّأتْ منها، تلك الدنيا التي اتّسمتْ بصفاتٍ غيّرت ملامح وجه التاريخ من مُسفِرٍ إلى معتمٍ.
إنّها دنياهم التي لم يُراعوا فيها حُرمة نبيّهم، خانوا أمانتَه، تناسَوا تعاليمَه، أحاديثَه، لدرجة أنَّ حديثاً مُزوّراً يُتلى عليهم ويُنسَبُ له (ص) كحديثِ (نحن معاشر الأنبياءِ لا نورِّث) فلا يُسكته أحدٌ ويُلجم كذبَه.
مع الفارقِ.. لكن ألا يوجد منّا من غرق في هكذا نوعٍ من الدنيا؟ إذْ بتنا لا نُحكّمُ تعاليمَ النبيّ (ص)، نسينا أنّنا أُمّته وأنَّ إيماننا الحقّ مقرونٌ بالتسليم ليس إلّا، يقول تعالى:
“فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً”
[من سورةِ النساء – آية 66].
إنّها الدنيا التي رَكَنوا فيها إلى طلب عافيتها دون عافية الديِن، فالمهمّ توَفّرُ وجبة الطعام ولا يهمّ شيءٌ آخر.
الدنيا التي تجعل النساء منشغلاتٍ بسفاسف الأمور، يركُضْنَ من هنا وهناكَ خلف مشهورات مواقعِ التواصل وأهدافهنّ، فتكون حياتهنّ عبارةً عن لا هدف، لا مشروعَ، نتيجةَ عدم ارتباطها بالقدوة الحسنة.
تلكَ النساءُ لم ترتبط بفاطمة فهجرت دنياهنَّ، بل ربطنَها بالجوِّ العامّ الذي نأى بنفسه عن أداء التكليف وحمل هموم الأُمّة وتطبيق الشريعةِ بحذافيرِها والتخلّي عن المعصومِ، فلم تتميّزْ إحداهنّ عن هذا الجوِ.. حجّمن وجودهنَّ كثيراً، ورسمن أدوارهنَّ بفرشاةٍ متّسخةٍ بأدران الأهواء والإعلام المضلّل.
#مجموعة_إكسير_الحكمة



