فكر وثقافة

عمارة المرقدَين الشريفين للإمامين العسكريين (ع)


بعد استدعاء الإمام علي الهادي (ع) من المدينة المنورة إلى سامراء سنة (234ه‍/857م) من قبل المتوكل العباسي، أبلغ الإمام الجميع بأنه لن يغادرها، وعندما سُئل عن السبب أجاب (ع): ”لطيب هوائها، وعذوبة مائها، وقلة دائها”.
فاشترى الإمام حينذاك له داراً.


لما استشهد الإمام الهادي (ع) بالسم الذي دسّه له المعتز العباسي دُفن في صحن داره هذه، أو في حجرة من حجراتها، ولمّا استشهد الإمام العسكري (ع) وكان قد سمّه المعتمد العباسي دُفن إلى جوار والده الإمام الهادي في الدار نفسها، ثم دفنت فيها السيدة نرجس والسيدة حكيمة.


العمارة الأولى
وكانت العمارة الأولى للمرقدين الطاهرين في سنة (289ه‍/902م) بنصب شباك في جدار الدار يشرف منه المارة في الشارع على تلك القبور التي بداخلها.


العمارة الثانية
في سنة (332 ه‍/44–945م) إذ شيد ناصر الدولة الحمداني – وكان بمنصب أمير الأمراء –  الدار من جديد، ورفع قبرَي الإمامين (ع) وكلّلهما بالستور، وبنى عليهما قبة صغيرة، وأحاط سر من رأى بسور، ليأمن ساكنوها أو من يريد سكناها، وبنى دوراً حول دار الإمام وأسكنها جماعة.


العمارة الثالثة 
في سنة (337ه‍/48–949م)  أشاد معز الدولة البويهي الدعائم، وعمّر القبة التي على الضريحين وسرداب الدار، وأقام على القبرين صندوقاً خشبياً، وملأ حوض الدار بالتراب بعد أن صارت كالبئر لكثرة ما أخذ الناس من ترابه للبركة، وذلك لأن الإمام العسكري (ع) كان يتوضأ به أحياناً، وجدد بناء صحن الدار وسوره، وفي سنة (368ه‍/78–979م) زار عضد الدولة البويهي سامراء، فأمر بوضع سياج من الساج حول المرقدين، ووسع الصحن، وعمر أروقته وستر الضريحين بالديباج، وأشاد سوراً للمرقد.


العمارة الرابعة
في سنة (445ه‍/1053م) قام الأمير التركي أبو الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري بعمارة القبة والضريحين من جديد، وعمل صندوقين من الساج ووضعهما على القبرين، وجعل رماناتهما من الذهب، فكانت هذه أول قطع ذهبية تُهدى إلى مرقد الإمامين (ع).


العمارة الخامسة 
في سنة (495ه‍/1102م) كلّف الملك بركيا روق بن ملك شاه السلجوقي وزيرَه مجد الدولة بإجراء إصلاحات على مرقد الإمامين العسكريين (ع)، فأوعز الوزير بإعادة بناء سور المرقد الشريف، وتجديد جميع أبواب الروضة العسكرية من أغلى وأجود أنواع الخشب، وترميم القبة والرواق والصحن.


العمارة السادسة 
في سنة (606ه‍/9–1210م) قام أبو العباس الناصر لدين الله بن المستنجد العباسي بتعمير القبة فوق الضريحين، وتزيين الروضة الشريفة من الداخل، وبناء مئذنتين، وتجديد بناء سرداب دار الإمام، وكتابة أسماء المعصومين الأربعة عشر على باب خشبي.


العمارة السابعة 
في سنة (640ه‍/1243م) شبّ حريق داخل روضة الإمامين (ع)، فأتى الحريق على الفرش، واحترق الصندوقان اللذان أهداهما البساسيري، فأمر المستنصر بالله العباسي – وهو باني المدرسة المستنصرية ببغداد – باستبدال الصندوقين المحترقين بصندوقين من الساج، وأوعز بعمارة المشهد الشريف والروضة المباركة وما يحيط بها من سياج ساجي.


العمارة الثامنة
في سنة (750ه‍/1349م) زيّن الأمير أبو أويس الجلائري الضريح الساجي، وشيد القبة والدار من جديد، وعمل بهواً أمام المرقدين، ثم أمر بنقل المقابر التي في صحن المرقد والتي أخذت تتزايد يوماً بعد يوم، فنُقلت إلى الصحراء في مقبرة خاصة.


العمارة التاسعة
في سنة (1106ه‍/1694م–1695م) بعد وقوع حريق في داخل الروضة المشرفة نتيجة ترك الخدم سراجًا موقدًا في مكان غير مناسب، أخذت النيران تسري في الخشب حتى التهمت صندوقي المرقدين والأبواب، فوصل الخبر إلى الشاه حسين بن سليمان الصفوي فأمر بصنع أربعة صناديق في غاية التزيين والترصيع، منهما اثنان لضريحي الإمامين العسكريين (ع)، والآخران للسيدتين الكريمتين نرجس وحكيمة وعمل شباك فولاذي ليوضع فوق الصناديق.


أما العمارة العاشرة ففي سنة (1200ه‍/1786م) والحادية عشرة في سنة (1285ه‍/1868م) والثانية عشرة في سنة (1341ه‍/22–1923م) فتمثلت بعمليات الصيانة والتعمير والبناء، وعمارة الروضة والسرداب بالحجر الصوان والرخام، وفُرشت أرضها بالرخام الأخضر الذي جلب من إيران، وجدد الشباك الفولاذي بآخر فضي مذهب التاج، وفرشت أرض الرواق والبهو والصحن بالمرمر، وأبدلت الأبواب، وتم جلب مولد كهرباء يعمل بالديزل خاص بالمرقد، فنورت الروضة بالكهرباء لأول مرة ونشرت فيها المصابيح، وعلقت الثريات.


وفي عام 2006 طالت أيادي الإرهاب المرقد الطاهر وقامت بتفجير القبة الشريفة في ٢٣ من محرم الحرام، وتبعها اعتداءٌ آخر بتفجير المئذنتين في ٢٧ جمادى الأولى.

وقد أشرف مكتب المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني (دام ظله) على إعمار المرقد الشريف، وصُنع شباك وضريح جديدَين للإمامين العسكريين (ع)، وقد تم الانتهاء منه في إيران ونقله إلى العراق ليتم نصبه، وقد قال المرجع الأعلى للمرحوم المهندس محمد علي الشهرستاني حول إعمار المرقد الطاهر: «أريد أن يعود كما كان وأفضل».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى