هذه سطورٌ كتبتُها قُبيل أيام ثم أمسكتُ عن نشرها لما رأيتُ بعضاً من الأفاضل ممَّن أجلُّ شخصه، وأُكبِرُ علمه، وأقدّر ورعه كتب شيئاً خلاف ما كتبتُ، فقلتُ لو نشرتُهُ الآن لربَّما فُهم أنَّه ردٌّ عليه، فصمتُ عن إذاعته حتى تهدأ الثورة، وتسكن الفورة حتى إذا كان وقت إذاعتها، وأزفت ساعة نشرها قلتُ أبثَّه في النَّاس.
نشر بعض الأخوة منشوراً بيَّن فيه بعض حقائق الإيمان: التَّولي والتَّبري، فسلقه بعض النَّاس بألسنةٍ حداد: أنت غايتك المنشودة تفريق الكلمة، وتشتيت الصفّ، أما ترى ما نحن فيه من تكالب الأمم علينا، وتربّص العدوِّ بنا؟ ألا تدري أنَّ المرجعيَّة تحرّم إثارة الخلافات المذهبيَّة خصوصاً في مثل هذا الظرف العصيب؟ وقال كالمتهكّم: هنيئاً لكم ذلك!
فقلتُ في نفسي: الذي فهمته أنَّ المرجعيَّة حرَّمت إثارة الفتن المذهبيَّة، ولكن لم تُحرّم تبين الحقائق خصوصاً مع كثرة المنشورات في هذا الفضاء الأزرق التي تعاضدت على طمسها وتضافرت على طلسها، فمالي لا أجعل من فعل العلماء الأعلام ممن كتب في الخلافات المذهبية قرينةً خارجيةً على صحَّة هذا الفهم؟ خصوصاً وأن بعضهم قال: إنَّهم يسكتون عن نبش الحقائق ساعة الشدائد.
فذهبتُ إلى كتاب المراجعات للسيد شرف الدين، فرأيت أن تاريخه الهجري لمقدّمة المؤلّف كانت موافقةً لنهاية سنة 1911 والطائرات الإيطاليَّة تطحن الليبيين طحنا، والوطن العربي الإسلامي كلُّه يرزح تحت الاستعمار. ليت شعري: لم كتب المراجعات في ذلك الظرف الذي أحوج ما يكون فيه المسلمون إلى رصّ الصفّ وتوحيد الكلمة ونبذ الخلاف؟
أتراه يريد إثارة الفتن؟ أم غاب عنه ما فطن له ذلك البعض؟
ثم جئت إلى أصل الشيعة وأصولها للشيخ كاشف الغطاء، وهو يتألَّم للحال التي وصل إليها المسلمون والاستعمار يجثم على صدورهم جَثْمَ سواد الظلماء على صدر السماء، ويطالب المسلمين بتوحيد الكلمة أمام الاستعمار فالحال لا يتحمل الفرقة، ولا ينهض بالشقاق ومع ذلك ردَّ على النشاشيبي، و النصولي، وأحمد أمين والحصان فكتب أصل الشيعة ونشره في الشهر نفسه الذي أُعدم فيه عمر المختار، والعراق ما يزال تحت الانتداب البريطاني إذ نال استقلاله سنة 1932
فلم يأبه لاستقلال بلاد الرافدين، وما تألَّم لمصاب المختار على حدّ قول ذلك البعض.
والشيخ الأمينيُّ كتب موسوعة الغدير ومسلمو المغرب العربي يعانون من نير الفرنسيين الذين ساموهم سوء العذاب، فلِم لَم يلتفت إلى ذلك وقال مالنا ومال العقائد وتبين الحقائق والمسلمون يناضلون الكفر في المغرب العربيّ؟
وعند رحيل النَّبيّ الأعظم – صلى الله عليه وآله – ادَّعى النبوَّة في اليمامة مسيلمة الكذاب، وفي اليمن الأسود العنسيّ، وفي نجد طلحة بن خويلد الأسديّ، وسجاح في قلب الجزيرة العربية، والروم والفرس متوثّبون على الإسلام والمسلمين في المدينة، وخطرهما محدقٌ بها، وكلُّ ذلك تهديدٌ وجوديٌّ جدّيٌّ للإسلام، ومع هذا طالب أمير المؤمنين – عليه السلام – بحقّه في الخلافة وصمَّم على قتال القوم لو اجتمع إليه أربعة نفرٍ قد حلقوا رؤوسهم فجاء سلمان وأبو ذرٍّ والمقداد حالقي رؤوسهم، وعمار وقد حلق نصف رأسه فلم يتمّ العدد أربعة فلم يصل بيدٍ جذَّاء ولكن قامت السيدة الزهراء – عليها السلام – بالذود عن حقّ أمير المؤمنين – عليه السلام – في ذلك الظرف العصيب الدَّائر بالإسلام من منافقي الدَّاخل، ومتنبّئيّ الخارج وكتائب الفرس، وجيوش الروم.أفتراها تأخذ تكليفها من ذلك البعض وتقول : فلتذهب مقامات أمير المؤمنين – عليه السلام – فداء وحدة الصف وخوف إثارة الفتن؟ أم هو توضيح حقيقةٍ محجوبة، وبيان منقبةٍ مدفونة؟