هذا البوست إجابةٌ عن سؤالٍ مهمٍ طرحه متابعونا الكرام، ومنهم الأخ سجاد سالم والأخ حسين مهاوي، وهذا الموضوع طالما تكرر وطالما سمعناه في أكثر من مناسبة، وهو أنَّ الشيعة هم من أرسلوا الرسائل للإمام الحسين لينصروه ثم خذلوه، وهذا الكلام تطرحه جهتان:
الأولى: بعض أتباع المذاهب الأخرى، وغايتهم يمكن اكتشافها من كتبهم، وهي تبرئة يزيد بن معاوية الذي يعدوه صحابياً وابن صحابي تحت لافتة تقديس الصحابة مهما كانوا ومهما فعلوا، لكنَّ تقديس أبناء النبي شركٌ وغلُوٌ!
كذلك تستخدم هذه التهمة للتشنيع على الشيعة في بكائهم وحزنهم على الإمام الحسين (ع).
أما الفئة الثانية: للأسف هذه التهمة تكرَّر في أوساطنا الشيعيَّة، عندما يتم التثقيف لها وطرحها ترويجاً لفكرةٍ معينةٍ، واجترار هذا الخطاب من دون فهم تأريخي، ونقولها بصراحة: هذا جهلٌ كبيرٌ لا ينبغي أنْ يكون عند من يتصدّى للتثقيف، فضلاً عن التبليغ الدينيّ.
وهنا نسأل: أولاً: من الذي أرسل الرسائل للإمام الحسين؟
من الذين كاتبوا الإمام طالبين منه المجيء إلى الكوفة؟ أليس هم شبث بن ربعي، وعزرة بن قيس الأحمسيّ، وقيس بن الأشعث، ويزيد بن الحرث بن رويم، والحجّار بن أبجر، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وحتى الشمر بن ذي الجوشن!
هؤلاء ذكرهم الطبريُّ في تاريخه، والبلاذريُّ في أنساب الأشراف، وذكرتهم كتبٌ أخرى بأنَّهم من الذين أرسلوا الرسائل للإمام الحسين (ع) كي يأتي الى الكوفة، هل هذه الأسماء شيعية؟ تاريخهم موجود وصفاتهم موجودة فأين هم والتشيع؟
أما القسم الآخر من الرسائل فأرسله مسلم بن عوسجة وحبيب بن مظاهر وأبو ثمامة الصائديّ وغيرهم من وجوه شيعة الكوفة الذين نصروا الإمام الحسين (عليه السلام) وصاروا خير الأصحاب وأوفاهم.
وهناك قسمٌ آخر لم يقاتل ولم يخذل الإمام وهم الذين سجنهم عبيد الله بن زياد، بل ملأ بهم السجون قبل وصول الإمام، بل إنَّ الطبريَّ يذكر أسماء من ضرب أعناق كلِّ من خرج لنصرة مسلم بن عقيل، وروى البلاذريُّ: في أنساب الأشراف، ج٣، ص٣٨٨: (وضع ابن زياد المناظر على الكوفة لئلاّ يجوز أحدٌ من العسكر مخافة لأنْ يلحق بالحسين (عليه السّلام) مغيثاً له . ورتَّب المسالح حولها، وجعل على حرس الكوفة والعسكر زحر بن قيس الجعفيّ، ورتّب بينه وبين عسكر عمر بن سعد خيلاً مضمرةً مقدحةً، فكان خبر ما قبله يأتي في كلّ وقت).
ونأتي الى السؤال الثاني: هل عندما يأتي ذكر الكوفة، هل تتخيل الكوفة في سنة ٢٠٢٥؟ هل تتخيل حوزة النجف الأشرف التي لا يملّ بعضهم من همزها ولمزها؟
لا يا عزيزي، الكوفة لم تكن شيعيةً أصلاً، كان الشيعة الذي يؤمنون بولاية علي بن أبي طالب ويتعبَّدون بفقهه أقليَّة، وهذه الأقليَّة قسمٌ نصر، وقسمٌ قتل وحبس كما ذكرنا، بل إنَّ سكانها لم يكن معظمهم من العرب!
فقد ذكر المؤرخ يوليوس فلهاوزن في كتابه الشيعة والخوارج: (أنَّ عدد الموالي الفرس الديلم في الكوفة كانوا أكثر من عربها، وهؤلاء لم يكونوا شيعة في ذلك الوقت وحالهم معروف).
كذلك الشيخ باقر شريف القرشيّ في كتابه سيرة الإمام الحسين يذكر: (قد كونت هذه الجالية مجموعة كبيرة في المجتمع الكوفي، ……..وقد أخذ عددهم بازدياد حتى تضاءلت نسبة العرب في الكوفة).
وفي الختام: رغم أنَّ حال الشيعة كان هكذا من القلة والتشريد، إلَّا أنَّ شيعتها الذين قاتلوا مع الإمام هم من خيرة الشيعة، وكان غالبيَّة من استشهد معه هم من الكوفة، فعلى الذين يصرخون بخذلان الشيعة للإمام الحسين أنْ يسألوا أنفسهم بهدوء: من الذي فدى الإمام بروحه غير الشيعة؟!
#مجموعة_إكسير_الحكمة