ها قد مرَّ خمس عشرة سنةً على رحيل تلك النفس المؤمنة المتواضعة، حيث غيَّب اللَّحد ذلك الوجه تحت التراب، وإن كانت شخصيّته المعنويَّة في القلوب.
صليت خلفه مراراً كثيرةً في تسعينيَّات القرن المنصرم في جامع الهندي، وكان يُقيم صلاة الظهرين هناك، دنوتُ منه ذات مرَّةٍ – بعد انتهائه من أداء التعقيبات، وقبَّلتُ يده الشريفة وسألتُهُ عن مسألةٍ ما، فأجابني (واعتذر عن ذكر السؤال والجواب؛ لأنّي لا استحضر الجواب كما قاله فعلاً، وأخشى أن أقوّله مالم يقُل) وكانت المسألة حساسةً، فأجاب بجوابٍ أثار استغرابي، وهو قد قرأ ملامح الاستغراب على قسمات وجهي، فقال بلهجةٍ نجفيَّةٍ قديمة: إذا لم تقتنع فاسأل العلماء!!!
يا لله!، مجتهد تشهد له أروقة العلم، وفقيهٌ يصلّي خلفه المجتهدون، يُخرج نفسه من زمرة العلماء، وحوزة العلم، ويطلبُ منّي بكلّ تواضع: إذا لم تقتنع فاسأل العلماء!!
قلتُ له مستغرباً: سيدنا، وأنت من العلماء. ثمَّ ودَّعته وانصرفت وأنا أُكبر في تلك النفس المؤمنة هذا التواضع والإنكار للذات، ولا أراه تواضعاً، ذلك أنَّ التواضع فيه نوع تصنّعٍ، وقسرٌ للنّفس على خلاف سجيّتها، بل هو محض تربيةٍ للنفس يراها في مرآة تديّنه بهذا المنظار.
رغم صلاتي خلفه مدَّةً طويلةً، ولكن لم أسأله – قُدّس سره – غير هذه المرَّة، رحمه الله بمحمدٍ وآل محمدٍ الطيبين الطاهرين.
– السيد أبو محمد