يُعَدُّ التَّشريع الإسلامي من أكثرِ النُّظُم القانونيَّة شُمولًا وتكاملًا، وقد أثارَت بعضُ أحكامِه – ولا سيَّما العقوبات الجَسديَّة، مثل قَطع يد السَّارق ورجْم الزَّانِي – جَدلًا واسعًا حول مدى مُواءمَتِه للقِيَمِ الإنسانيَّة الحَديثة!
ولنا أن نذكر بعض النقاط:
أولاً : إنَّ تطبيق هذهِ العقوبات مشروطٌ بشُروطٍ صارِمةٍ، مثل وجود أدلَّةٍ قاطِعةٍ وشُهودٍ عدولٍ يشهدون على الجُرم المشهود، مثل أنْ يجتمع أربعة شهودٍ ليشهدوا على حادثة الزنا بتفاصيل دقيقةٍ يصعبُ توفرهاً كثيراً، ثم جعل الشارع عقوبةً على من يتهم المحصنة من دون إثبات ذلك من خلال الشهود العدول.
ثانياً : هناك ظروفٌ يُدرأ فيها الحكم العقابيّ، كالشبهة، كما لو أتى امرأةً مشتبهاً أنَّها زوجته، والإكراه كما لو قام بالزنا مُكرهاً، والاضطرار، كما لو ارتكب ما يوجب العقاب مضطراً، ونحو ذلك.
ثالثاً : إنَّ هذهِ العقوباتِ ليست انتقاميَّةً، بل هي جُزءٌ من نِظام العدالة الإلهيَّة الهادف إلى حِفظ الأمن والاستقرار في المُجتمع، وإشاعة الحقّ والعدل، لا الانتقام من المُجرم، خصوصاً وأنَّ ملاكات الأحكام – ومنها العقوبات – تدور حول المصالح والمفاسد الواقعيَّة، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، إنَّ هذه العقوبات تهدف إلى منع وقوع الجريمة..
فإن حصلت الجريمة عوقب المجرم في سبيل أخذ جزائه، ومن ثم إصلاحه وتأهيلِه للمُجتمع، ضمنَ رُؤيةٍ شاملةٍ تُوازِنُ بين العقوبة والتَّقويم.
وإن كان ممن لا يُقوّم، بأن وصل ـ في تقدير الشارع ـ إلى حدّ صار خطراً على المجتمع وعنصر فساد وإفساد، كالقاتل عمداً أو الزاني المُحصَن، حينها لابدّ من تخليص المجتمع من إجرامه بالقصاص أو الرجم.
وبالتالي فهدف هذه الأحكام هو حماية المجتمع من المجرمين، وعدم جعله عرضةً للخوف وفريسةً للقهر.
رابعاً : التوازُنُ بين العقوبة والرَّحمة
التَّشريع الإسلاميُّ يُولِي أهمِّيَّةً كبيرةً للرَّحمةِ والعَفو، حيث يمكنُ للمجنيِّ عليهِ أو أوليائِه العَفوَ عن المُجرم وتَخفيفَ العقوبة، ممّا يُضفي بُعدًا إنسانيًّا على النِّظامِ العقابيّ.
خامساً : من قال أنّ مبادئ الإنسانية الحديثة هي مبادئ إنسانية حقاً وليست منحازة وظالمة، بأن تأخذ الحق من فئة لتعطيها لفئةٍ أخرى؟!
هذا هو واقع الكثير مما يسمونه “المبادئ الإنسانية” (خصوصاً الغربية منها)، والمخالف لأحكام الدين منها، قطعاً لا يصلح مجتمعاً ولا عائلةً ولا حتى فرداً.
إنّ الأحكام الصادرة عن خالق الإنسان هي القادرة – دون غيرها – على إصلاح الإنسان ورعاية مصلحته، كون الخالق هو العالم بما يصلح الإنسان وما يفسده، وهذا الكلام ينطبق على كل الأحكام، بما فيها تلك المواد التي يقولون أنها لا تنسجم مع مبادئ الإنسانية.
سادساً : كل واحد منا يرى ماذا يحصل من مظالم ونزاعات وتعدّي وقهر وخوف وفساد وسرقات وغير ذلك من المفاسد الجسيمة، كل ذلك بسبب أنّ البشرية تركت أحكام الله وابتدعت أحكاماً من عندها ادّعت أنّ تلك الأحكام هي الأصلح لها، والنتيجة كما ترى.
سابعاً : وأخيراً – وبناءً على ما سبق – يُمكن القول: إنَّ التَّشريعَ الإسلاميَّ – من وجهةِ نظرِ العَدليَّة – يهدِفُ إلى تحقيقِ العدالةِ والاستقرارِ في المُجتمع، مع مُراعاةِ القِيَمِ الإنسانيَّةِ الحقيقية والرَّحمة، فالعقوباتُ القاسيةُ ليست انتقامًا، بل هي وسيلةٌ لضبطِ الأمنِ العامِّ وإصلاحِ المُجرم في إطارٍ من الرَّحمةِ والتَّوازُنِ القيميِّ.
#مجموعة_إكسير_الحكمة