#تعليق
أي حادثة تُذكر من قِبلنا ونعتبرها قضية، وأي دماء تسفك ظلماً في كل مكان، لا تُقارن بأي شكل من الأشكال بيوم سيد الشهداء وكربلاء، مهما كانت مؤلمة وموجعة لقلوبنا.
وسماع جزء بسيط من المقتل الحسيني يجعلنا ندرك ذلك.
أولاً: المصيبة وقعت على معصوم وليس شخص عادي، يقول الإمام الحجة عجل الله فرجه في زيارة الناحية المقدسة: (لَقَدْ قَتَلُوا بِقَتْلِكَ الْإِسْلَامَ، وَعَطَّلُوا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، وَنَقَضُوا السُّنَنَ وَالْأَحْكَامَ، وَهَدَمُوا قَوَاعِدَ الْإِيمَانِ، وَحَرَّفُوا آيَاتِ الْقُرَآنِ…) وهذا لا يكون إلا إذا كان القتيل هو الحسين (ع) أو من هو مثله (الإمام المعصوم).
والكون كله لا يستطيع الاستغناء عنه وولايته على كل الموجودات، وقد روت كتب الفريقين بكاء السماء والحجر والحور والجن بعد العاشر من محرم.
فما عن زرارة عن الصادق (ع) قال: «…بكت السماء على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي أربعين صباحاً، ولم تبك إلّا عليهما…) [ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب: ج2، ص212.]
قال الطبري: «…وعن ابن شهاب، قال لما قُتِل الحسين (رضي الله عنه) لم يُرفع أو لم يُقلع حجر بالشام إلّا عن دم» [الطبري، ذخائر العقبى: ص 145.].
ثانياً: إن أهوال كربلاء وتفاصيلها مختلفة، فالإمام لم يُقتل وحده، بل جميع أهل بيته وصحبه، وهو يعلم ما سيجري، وأخرج أخوته وأصحابه معه وهو يعلم أنهم سوف يجزرون كالأضاحي، وأخرج معه نسوته وهو يعلم أن الله تعالى شاء أن يراهن سبايا مع ما عليه هم وهنّ من الشأن.
في يوم واحد اجتمعت على الحسين مصائب تاريخ كامل، فلو أنّ أمة من الأمم جرى عليها ما جرى في كربلاء موزع على طول أيامها في الدنيا لقلنا أنها مصيبة عظيمة فما بالك بمن اجتمعت عليه هذه المصائب في نهار واحد، ولم تنتهِ بانتهاء النهار…
بعد كل هذه الجراح داسوا بالخيل صدره وظهره، وقادوا نساءه سبايا، وأيّ نساء؟! نساء لم يُرَ لهن ظل.
والتفاصيل كثيرة، الرأس (وأي رأس؟!) يدورون به في أزقة الكوفة ويُشرب بقربه الخمر، ويعلق على الباب في الشام ويقرع وتكسر ثناياه.
والكثير الكثير مما لا يغيب عن أحد سمع بعض المقتل وبعض أحداث الكوفة والشام.
حتى ما جرى علينا في زمن صدام والتعذيب في المعتقلات، وما جرى بعد السقوط والسيارات المفخخة والذبح، وما جرى في التظاهرات وفي غزة وفي أفغانستان وما سيجري على أي أحد لا يمكن مقارنته مع يوم سيد الشهداء ومن حقنا أن نرفض ذلك رفضاً قاطعاً، سواء رضي الطرف الآخر أم لا، بل المقارنة شيء معيب لا يصدر إلا عن جاهل بما للحسين من شأن وما لرزية كربلاء من هول وعظمة.
مشتبه من يقول أنكم لا تريدون الاقتداء بكربلاء وخط الإمام الحسين، فنحن نذكر كربلاء حتى في فواتحنا، نعم نذكرها لنتزود من عطائها ومواساةً لأنفسنا لتخفيف مصائبنا فهي المصيبة الأعظم.
حتى عند الفتوى المباركة وشهدائها الذين هم شهداء بالمعنى الفقهي، يعني أنّ لهم كل أحكام الشهيد من عدم التغسيل وغيره، كم استذكرنا كربلاء وأصحاب سيد الشهداء لكن لم يجرؤ أحد على نعت مصيبتنا وما جرى على شهدائنا بأنه كربلاء ثانية.
وفتح باب التشبيه والمقارنة سيجعل كل من لديه قضية يعتبرها قضية حق يلصق مصيبته بمصاف مصيبة الإمام كما ترون في هذا المرفق!!
ويفترض أن لدينا قاعدة كلية واضحة صادرة من معصوم وهو الإمام الحسن المجتبى (ع) الذي دخل عليه سيد الشهداء (ع) بعد أن أصيب بالسم وشارف على الشهادة، فبكى الإمام الحسين على حال الإمام الحسن، فقال له الإمام الحسن: ما يبكيك؟ فقال سيد الشهداء: أبكي لما يُصنع بك.
فأجابه الإمام الحسن: (إن الذي يؤتى إلي سم يدس إلي فأُقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وينتحلون دين الاسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، تمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار.) [أمالي الصدوق، المجلس 24].
لاحظوا كيف أن الإمام الحسن رغم مظلوميته ورغم أنه كان يلفظ كبده من السم وحرارته ورغم أنه مُنع من دفن جنازته قرب جده وتم رمي نعشه بالسهام، لكنه يرى أن ذلك لا يقارن بمصيبة الإمام الحسين!
فما بالك بتشبيهاتنا نحن القاصرون؟!
#مجموعة_إكسير_الحكمة