يسأل الأخ كاظم جبار عن التخطيط للنهضة الحسينية هل هو تخطيط إلهي مرسوم للإمام الحسين (ع) أو أنه ليس كذلك بل تخطيط بشري لا علاقة له بالرسم الإلهي؟
هذا الموضوع كتب عنه فقيه أهل البيت (ع) السيد الحكيم (قدس) في كتابه فاجعة الطف بما لا مزيد عليه، فقال:
يشيع بين أهل الحديث من الفريقين والمؤرخين عامة عرض حادثة الطف الفجيعة والحديث عنه.
ولهم في ذلك اتجاهان:
[نظرية أنّ التخطيط لواقعة الطف بَشريّ]
أولهما: أن التخطيط لها كان بشري، وأن الإمام الحسين (صلوات الله عليه) قد خطط للنهضة وفق قناعاته وحساباته المادية، من أجل الاستيلاء على السلطة. وكان لمزاجيته في التعامل مع الأحداث، وموقفه الحدي الانفعالي من خصومه عامّة، ومن يزيد خاصّة، أعظم الأثر في ذلك.
بل قد يظهر من بعضهم أن ذلك قد أفقده النظرة الموضوعية في تقييم الظروف المحيطة به، والموازنة بين القوى التي له والتي عليه. وأنه قد اغتر بمواعيد من كتب له من أهل الكوفة، أو انخدع بنصيحة ابن الزبير له بالخروج، ليخلو له الحجاز.
وعلى كل حال فهو (عليه السلام) عند أهل هذا الاتجاه قد حاول بخروجه تنفيذ مخططه في الاستيلاء على السلطة، إلا أنه لم يتسن له ما أراد، لخطئه في تقييم الأوضاع التي عاشه، ولحزم خصومه وصرامتهم، وخيانة من دعاه وتعهد بنصره من أهل الكوفة، حتى انتهى الأمر إلى قتله وقتل من معه، والإجهاز على مشروعه. كما توقع ذلك كثير من أهل الرأي والمعرفة. وقد نصحه كثير منهم ـ من أجل ذلك ـ بعدم الخروج.
وهذا هو الذي يظهر من كثير ممن تعرض لنهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) من الجمهور.
[نظرية أنّ التخطيط للواقعة إلهي]
ثانيهما: أن التخطيط لها إلهي، وأن الله سبحانه وتعالى قد عهد للإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وأمره ـ عن طريق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتنفيذ مشروع ينتهي باستشهاده واستشهاد من معه، وجميع ما حدث من مآس وفجائع.
وكان له (عليه السلام) بما يمتلك من مؤهلات ذاتية وشخصية ـ الدور المتميز في تنفيذ المشروع المذكور وفاعليته، وتحقيق أهدافه السامية.
كل ذلك لمصالح عظمى تناسب حجم التضحية وأهميته، قد علم الله عزّ وجلّ به. وربما ظهر لنا بعضه.
وقد نجح (صلوات الله عليه) في مشروعه، وحقق ما أراد، وتكلل سعيه بالنجاح والفلاح، وكان عاقبته الفتح المبين.
وأنّ من أشار عليه بعدم الخروج قد خفي عليهم وجه الحكمة، كما خفي على المسلمين وجه الحكمة في صلح الحديبية، فاستنكروه على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكما خفي على كثير من أصحاب الإمام الحسن (صلوات الله عليه) وغيرهم وجه الحكمة في صلحه لمعاوية، فأنكروا عليه… إلى غير ذلك من الأمور الغيبية التي قد يخفى وجهه. والناس أعداء ما جهلو. بل قد يكونون معذورين لجهلهم.
ونحن الشيعة ـ حيث كنّا نؤمن بعصمة الإمام الحسين وسائر الأئمة (صلوات الله عليهم) ـ لابد من أن نتبنى التفسير الثاني للنهضة المباركة، ولجميع ما صدر من الأئمة (صلوات الله عليهم) في التعامل مع الأحداث.
[تأكيد النصوص على أنّ التخطيط لفاجعة الطف إلهي]
ومع ذلك فنصوصنا مستفيضة عن النبي والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) بما يؤكد التفسير المذكور. نكتفي منها بصحيح ضريس الكناسي عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: “قال له حمران: جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين (عليهم السلام)، وخروجهم وقيامهم بدين الله عزّ وجلّ، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبو؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا حمران إن الله تبارك وتعالى [قد] كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه، ثم أجراه. فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول الله (صلى الله عليه واله) قام علي والحسن والحسين (عليهم السلام) . وبعلم صمت من صمت منّا”.
وحديث العمري عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): قال: “إن الله عزّ وجلّ أنزل على نبيّه (صلى الله عليه واله) كتاباً قبل وفاته، فقال: يا محمّد هذه وصيتك إلى النُجَبَة من أهلك… فدفعه النبيّ (صلى الله عليه واله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمره أن يفكّ خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففكّ أمير المؤمنين (عليه السلام) خاتم، وعمل بما فيه. ثم دفعه إلى ابنه الحسن (عليه السلام)، ففكّ خاتماً منه، وعمل بما فيه. ثم دفعه إلى الحسين (عليه السلام)، ففكّ خاتم، فوجد فيه: أن اخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلا معك، واشتر نفسك لله عزّ وجلّ. ففعل. ثم دفعه إلى عليّ بن الحسين (عليهم السلام) …”.
#مجموعة_إكسير_الحكمة