المرجعية الدينيةدين

مدرسة السيد السيستاني (دام ظله)

الثامن من ربيع الآخر سنة ١٤٤٧هـ، ذكرى استشهاد السيدة الزهراء عليها السلام، الرواية الأولى، ومكتب سماحة السيد السيستاني دام ظله يُقيم بمناسبتها العزاء، وهذه المرّة الناس تتعطش لرؤية المرجع الأعلى بعد فقد عقيلته، فهناك من تغلب عليه العاطفة إلى حدّ البكاء والنحيب، وقد جسّدها رجل قروي من السادات، حيازيمه الخضراء حول بطنه، وأسارير فطرة وجهه، ودموع عين مواساته، واعتذاره من عدم حضور الفاتحة، توحي على أن العراق كلّه أسرة السيد السيستاني.
العلماء، الفضلاء، الزوار، بعض الأصهار، والأحفاد، والأسباط، اجتمعت أواصرهم كدائرة حفّت بقطب الرحى.
دقت العاشرة صباحًا، بدأ بسط يد الكرم الذي هو إذن الدخول على مرجع الطائفة، تمّ قرار الجلوس، واستقرّت النفوس، فهناك ستحط طيور الخُلق على رؤوس من حضر، فيصمت عمود الهمس فضلًا عن الكلام.

وبدأت نظرات العيون، ومدّ الأعناق، إلى شخص المرجع الأعلى، وأخذ الناعي وسائل الصوت بيده، وافتتح المجلس بذكرى السيدة الزهراء عليها السلام، وساحت الآماق، وعلا النحيب.
وعيون الحاضر الموفّق في المجلس تدور يمنة فترى ولدًا سيدًا يرعى والده بالحركات والسكنات، شمالًا ترى ناعيًا يحدّثك عن مظلومية بنت النبيّ صلوات الله عليهما شعرًا ونثرًا، يسرة ترى ذلك العظيم الذي أجهد نفسه بالحرص على الزهد والورع والتقوى، حتى صار ظاهرة يصعب على الآخرين تجسيدها.

وتبدأ نظرات المرجع على الجلساء، نظرات الحكمة والوعي والأبوة، ومع تصاعد الشجن يضع يده اليمنى على جبهته فيطأطئ رأسه، وتنحدر دموعه مع اشتداد المصيبة، فيكفكفها بمنديل توسط أصابعه.
قامةٌ يملؤها الوقار والعزّة، ونحافةٌ تُخفيها قوة الشخصية وعظمتها، وصمودٌ يملؤه الاتكال على الله تعالى في جميع حلقات عمره وعقوده.

وانتهى الشيخ الدجيلي من مجلسه، ذاك الناعي الذي ملأ المجلس بذكر مصاب السيدة الزهراء عليها السلام، وخلا المجلس من ذكر العقيلة المكرمة، التي توفيت قريبًا، سوى بالدعاء لها في آخر السطور، دعاء هيّج الشوق عند من يتّصل بها.

وختم المجلس بقراءة السيد السيستاني (دام ظله) الفاتحة، وليت الفاتحة كانت من السور الطوال، ثمّ دعا للخطيب مرتين، ثم توالى الحضور على تقبيل يده المباركة والسلام عليه وطلب الدعاء منه.

لحظات في أرائك الإيمان لا تُنسى، فقد نخرج وتحفر الذكرى في صناعة أدبنا وخلقنا، فهنالك مدرسة اسمها (السيد السيستاني).

ـ الأستاذ أحمد علي الحلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى