لم تعد المقارنة في أيامنا هذه قراراً نتَّخذه، بل أصبحت عادةً يوميَّةً نشعر فيها دون إدراك، نفتح الموبايل لأهدافٍ شتى، فنخرج منه أقلَّ رضا وأكثر قلقًا. صورٌ جميلةٌ، إنجازات، رحلات، بيوت مرتبة، وجوهٌ مبتسمة… ومع كلِّ لقطةٍ يتسلل سؤالٌ صغيرٌ لكنَّه مؤذٍ: لماذا لستُ مثلهم؟ لماذا ليس لدي؟!
المشكلة ليست في الآخرين، بل في الطريقة التي نقدّم بها أنفسنا على وسائل التواصل، كلُّ شخصٍ يعرض أفضل لقطاته، اللحظات التي اختارها بدقة، بينما نقارن نحن هذه اللقطات بأيامنا العادية، بأشغالنا وأتعابنا وتفكيرنا، بتفاصيل لا يراها أحدٌ غيرنا، وهنا تبدأ الطمأنينة بالانسحاب خطوةً بعد خطوة.
المقارنة ترهق لأنَّها تقوم على وهم، نعم نحن نقارن حياةً كاملةً بزاويةٍ صغيرةٍ من حياة غيرنا، نقارن صراعنا الداخلي مع ابتسامةٍ معدَّلةٍ بالفلاتر، نقارن تعب السنوات مع لحظة نجاحٍ ظهرت في فيديو مدته عشر ثوانٍ.
الحلُّ ليس في الانسحاب من مواقع التواصل، بل في إعادة ترتيب نظرتنا، نظرة القناعة بما أعطانا الله والتوكُّل عليه فيما نريد، وأنْ نتذكَّر لكلِّ شخصٍ في هذه الحياة جوانب مختلفة، لا تلتقطها العدسات ولا تسعها الريلزات، ،لا أحد يكتب عن لحظات الانكسار، ولا أحد يعرض الجانب الفارغ من حياته، كلُّ شخصٍ يحمل شيئاً لا يصوّره.
وحين نبدأ نركز على خطواتنا الصغيرة، وعلى ما نحن فيه من نِعم، لا ما يعرضه الآخرون، سنشعر بالطمأنينة، وكما يقول أمير المؤمنين علي (ع): «لا كنز أغنى من القناعة» [نهج البلاغة: الحكمة 371].
ويقول الإمام الصادق (ع): «انظر إلى من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة، فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك» [الكافي: 8 / 244 / 338].
#مجموعة_إكسير_الحكمة



