في أزمنة ماضية من تأريخ التشيّع وجغرافيته، وبمراجعة السِّيَر والتراجم نجد أنّ أتباع أهل البيت (ع) لم تنطلِ عليهم الكثير مما يقع فيه معاشر الشيعة اليوم، إذ لم يكن للعشيرة أو السياسة أو الإعلام أو الجاه أو المال أي اعتبار في اختيار القدوة من رجال الدين، ولسنا هنا بصدد نفي هذه الظاهرة بالجملة في الأزمان السابقة، وإنما بصدد التركيز على تفاقمها في الوقت الحاضر، حيث تنامت حاليّاً عن قصد أو بدون قصد.
إذ المتابع للشأن الاجتماعي و الشبابي خاصة يجد البعض يستسهل اتّباع كثيرٍ ممن يبلس لباس العلماء وهو ليس منهم!
ومن أسباب ذلك عدم الالتفات إلى معنى الاقتداء أو القدوة في القرآن الكريم والسنة الشريفة، هذا المعنى السامي تشوّه كثيراً في زمن الطاغية حيث استُخدم لخدمة القائد الضرورة، وبه فُضّل كثير ممن لم يكن أهلاً للاقتداء.
يقول الإمام الصادق عليه السلام :«لا طريق للأكياس من المؤمنين أسلم من الاقتداء لأنه المنهج الأوضح والمقصد الأصح، قال الله عز وجل لأعز خلقه محمد (ص): (أُولئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه) فلو كان لدين الله تعالى عز وجل مسلك أقوم من الاقتداء لندب أنبياءه وأولياءه إليه».[الكافي، للكليني، ج٥ ص٩].
فمن الحديث والاستشهاد بالآية الكريمة يظهر أنّ الاقتداء أمر ضروري، وأنّ الاقتداء لابد أن يكون بمن هداهم الله، ومن علائم أولئك أنهم على قدرٍ عالٍ من التصادق بين القول والعمل وأن لا يقع القدوة في التكاذب بين ما يتبناه و ما يفعله، سواءٌ كان هذا التكاذب عملياً أو قولياً.
لذلك فالاقتداء بالعمامة ليس مطلقاً، وإنما مقيد بكل ما تمثله العمامة من هداية وإرشاد ونصيحة وفقاهة ونحوها.
من هذا يتضح أنّ المكلفين تقع عليهم مسؤولية كبيرة تتمثل بمعرفة مواصفات القدوة في الشأن الديني، وأنّ أي تهاون في معرفتها ومعرفة من يدعيها له تأثير كبير على حياة المجتمع، ولطالما جرّت الشبهات والدعوات الباطلة الويلات على المجتمع، وإلى يومنا هذا.
خلاصة القول: إنّ العبرة ليست بالعمامة وإنما بمن يمثلها بالشكل المطلوب، بهذا يكون الاقتداء صحيحاً والقدوة صادقة.
#مجموعة_إكسير_الحكمة