نسمع أحياناً بعض الكلمات تفيد بأنَّ الاختلاف الفقهي بين المراجع ظاهرة سلبية، والمفروض أن يتحدوا في جميع آرائهم !!
والصحيح : إنَّ الاختلاف هو شأن العقلاء في كل الاختصاصات، وذلك لاختلاف نظرهم وقدراتهم، فتجد مثلاً الأطباء والفلكيين والطبيعيين وغيرهم يختلفون في كثير من نتائجهم وتشخيصاتهم، فهل يصح أن نقول : اتركوا جهودكم وخذوا برأيٍّ واحد فقط؟! هذا خلاف العقل والعلم، بل إننا نعتقد بأنّ الخلاف العلمي نوع كمالٍ وليس بمنقصة، لأنه يُنبئ عن بحث مستمر وتجدد دائم مستند إلى المناشئ المشروعة.
طبعاً الاختلاف المشروع هو ما يحصل بين الفقهاء والعلماء الحقيقيين، وليس ما بين المتشبّه بهم.
ولاختلاف الفقهاء أسباب، منها لاختلافهم في الاستظهار من الآيات والأحاديث الشريفة، حيث يحمل بعضها أكثر من وجه، ومنها لاختلاف مبانيهم في المسائل الكبرى التي يعتمدون عليها في عملية الاستباط، ومنها اختلاف النصوص نفسها، وهذا ما أشار له الأئمة (ع) فقد ورد قول الإمام الصادق (ع) لعبد الله بن زرارة: (…فلا يضيقنَّ صدرك من الذي أمرك أبي عليه السلام وأمرتك به، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به، لا والله ما أمرناك ولا أمرناه إلا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به، ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعانٍ توافق الحق، فلو أُذِنَ لنا لعلمتم أنَّ الحق في الذي أمرناكم به، فردوا إلينا الأمر وسلّموا لنا، واصبروا لأحكامنا وارضوا بها، والذي فرّق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله أمر خلقه…) اختيار معرفة الرجال ج١/ص٣١٥
ثم إنَّ لهذا الاختلاف فوائد منها:
١) التوسعة على المؤمنين، فالمرجع الأعلم إذا احتاط وجوباً – مثلاً – في مسألة معينة، فيمكن للمقلد أن يرجع لمرجع آخر فيها (على تفصيل في محله).
٢) ليس بالمستحيل أن يصاب الفقيه بالغرور أو الزهو أو بأي أمرٍ لا يتناسب وهذا المقام، بل لكونه ليس بمعصوم قد يخرج عن العدالة – لا سمح الله – كما حصل في الغيبة الصغرى حينما انحرف ابن أبي العزاقر حيث كان فقيهاً، وحمله الحسد للسفير الثالث على الانحراف، فورد اللعن بحقه، فلو كان فقيهاً واحداً لا ثاني له سوف يسبب أزمة، أما مع تعدد المراجع فسيكون الضرر أقل من الفردانية بكثير.
ثم إنّ هذا الاختلاف بين الفقهاء لا ينبغي أن يكون مسبباً للفرقة بين المؤمنين، بل يجب أن يعرفوا بأنه حالة طبيعية، ويجب عليهم مراعاة حق الأُخوّة والحدود الشرعية والأخلاق والمودة بينهم كما يفعل ذلك المراجع أنفسهم، وكل مؤمن مسؤول عن تقليده بحسب الموازين الشرعية التي حددها الفقهاء، لا الاستحسانات والرغبات والميول الشخصية!!
نسأل الله تعالى أن يحفظ مراجعنا العدول ويديم ظلهم علينا، ويعجّل بفرج مولانا وإمامنا القائم ويجعلنا من أنصاره وأعوانه.
#مجموعة_إكسير_الحكمة