أحدهم يسأل الإمام… لماذا لا نعتمد على أهل الفلك؟
أحياناً وعندما يحتدم النقاش حول الهلال ورؤيته، نرى بعض الآراء والتعليقات التي تمتعض من عدم رجوع الفقهاء إلى الحسابات الفلكية، فهل هذا صحيح؟!
بالطبع لا، ونقول:
أولاً: أن للهلال ولادتين:
ولادة شرعية وهي ما يُعتبر فيها الرؤية بالعين المجرَّدة.
وولادة طبيعية تكوينيَّة، وهي ما يُعتبر فيها الرؤية الفلكيَّة، وهذه الحسابات تعطينا وقت ولادة الهلال، وتوقعات رؤيته، وعلماء الفلك أنفسهم يختلفون في درجة ارتفاع الهلال وزاوية الرؤية وإمكانيَّة رصده، والفقهاء يعتمدون عليها في جزءٍ كبير، حتى أنّ إمساكية شهر رمضان تحتوي على عبارة: (يتوقع أن يُرى الهلال في اليوم الفلاني…) مع حسابات فلكية.
والى هنا تنتهي فائدة الحسابات، لأنّ الحكم الشرعي لا يريد ولادة الهلال التكوينيَّة، بل يريد الصوم والإفطار لرؤيته الشرعية بالعين المجرَّدة والتثبت منها، لذلك فقد وضع شروطاً للشهود الذين يشهدون الهلال.
ثانياً: إنّ هناك نصوصاً شرعية استند إليها الفقهاء في تشخيص المراد من الرؤية وكيفيتها، وكتبوا فيها البحوث المطولة فهي ليست مسألة ذوقية أو قرارات شخصية.
ثالثاً: إن هذا الطرح ليس بجديد وقد طُرح ذات الإشكال على الإمام الصادق (عليه السلام) فما كان جوابه؟
كتب إليه أبو عمرو : «أخبرني يا مولاي أنه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه ونرى السماء ليست فيها علة فيفطر الناس ونفطر معهم، ويقول قوم من الحُسّاب قبلنا أنه يُرى في تلك الليلة بعينها بمصر وإفريقية والأندلس، فهل يجوز يا مولاي ما قال الحُسّاب في هذا الباب حتى يختلف الفرض على أهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم خلاف فطرنا؟ فوقّع عليه السلام: لا تصومنّ الشك، أفطر لرؤيته وصم لرؤيته
[تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج ٤، ص ١٥٩]
مسائلنا الدينية غير خاضعة للأمزجة والشك حتى نردد كلاماً بعيداً عن واقعها، وكلنا يعرف أن الأحكام الدينية قد شرّعها الله تعالى، يعني أنها صالحة لكل الأزمنة، ولا يُسقط التعبد بها آراء ورغبات معينة.
ولو فرضنا أنِ اختلف الفقهاء في ثبوت الهلال وفقاً لاختلاف مبانيهم – وهذا شيءٌ واردٌ وطبيعي جداً – فلا ينبغي أن يكون ذلك مثار الخلاف بين المؤمنين، بل كلٌ يعمل وفق الحجة الشرعية الثابتة لديه وهو قول الفقيه الذي يقلده.
#مجموعة_إكسير_الحكمة