قصّةُ التراث الشيعي؟
تُعتبر السُنَّة الشريفة المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلاميّ بعد القرآن الكريم، وكلاهما وحيٌّ معصومٌ من الله تعالى، والفرق بينهما أنّ القرآن نزل عن طريق الوحيّ، والسُّنَّة على لسان المعصوم (ع).
كان النبيُّ (ص) يملي الأحاديث بنفسه على الإمام عليٍّ (ع) الذي كان يكتبها، وأوّل كتابٍ تم تدوينه في الإسلام كتاب علي (ع)
وأما أبو رافع غلام النبي (ص) فهو أول من كتب الحديث من بين الصحابة، وهو شيعي الانتماء.
وبعد ارتحال النبي الأكرم (ص) ووصول الأمر إلى عمر بن الخطَّاب نهى عن تدوين السُنَّة، وحُجَّته في ذلك “حتى لا تختلط بالقرآن الكريم” مع أن السُنَّة هي المبيّنة للقرآن والموضّحة للكتاب وكان تدوينها واجباً.
إلا أنّ السبب الحقيقيّ وراء المنع من التدوين هو أن لا تُذكرُ فضائل أمير المؤمنين (ع)، ومن هنا انطلقت مقولة (حسبنا كتاب الله).
أما الشيعة فقد دوَّنوا الأحاديث واعتنوا بها تبعاً لأوامر ائمَّتهم (ع).
لقد أثَّر هذا المنع “سلباً” في فقه السنَّة والجماعة باعتبار أنّ قول النبيِّ (ص) وفعله وتقريره هو السنَّة عندهم فقط، فقلَّت الأحاديث عندهم فاضطروا إلى اللجوء إلى طرق غير شرعية لاستنباط الأحكام كالقياس والاستحسان، بخلاف الشيعة الذين يرَون أنّ قول الإمام المعصوم (ع) هو قول النبيّ (ص)، فاستمرت سلسلة الحديث عندهم ولم تنقطع، بل لديهم وفرة في الحديث.
وقد بسط الأئمة (ع) لشيعتهم القواعد الشرعية لكي يرجعوا إليها في حالات فقد النص الشرعي أو تعارض الروايات.
لذا جاء فقهُهم وفقاً للنصوص الشرعية، لم يذهبوا إلى قياسٍ أو استحسان، بل إنّ أئمتهم (ع) حاربوا القياس وأمثاله، واعتبروه ماحقاً للدين.
الأصول الأربعمِائة
اهتمّ الشيعة بتدوين كتب الحديث بأمر أئمتهم وتحت نظرهم.
فما عن المفضل بن عمر، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ” اكتب وبثَّ علمك في إخوانك، فإن متَّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم . الكافي ج ١ ص٥٢ ح ١١ .
وعن أبي هاشم الجعفري، قال: عرضت على أبي محمد العسكري (ع) كتاب يوم وليلة ليونس فقال لي: تصنيف من هذا ؟ قلت : تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال : أعطاه الله بكل حرف نوراً يوم القيامة . الوسائل أبواب القضاء.
وغير هذه الروايات الكثير مما يدلّ على اهتمام الأئمة (ع) وشيعتهم برواية الحديث وتدوينه وحفظه، وقد أفضت هذه الجهود بتدوين أربعمائة كتاباً جُمعت فيها أحاديث النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) والتي تسمى بـ(الأصول الأربعمِائة).
الجوامع الحديثية
كانت كتابة الأصول الأربعمائة في عصر الأئمة (ع)، ثم بعد ذلك صُنّفت الكتب الجامعة للأحاديث اعتماداً على تلك الأصول التي دُوِّنت في زمن الأئمة (ع).
ومن أعظم كتب الحديث عند الشيعة الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكلينيّ (المتوفى سنة ٣٢٩هـ )، وهو أول موسوعة حديثية جامعة اُلّفت عند الشيعة، حاول مؤلفه أن يجمع فيه الأصول والمدونات الحديثية الصغيرة، فجمع فيه ستة عشر ألفاً ومائة وتسعين حديثاً، بعد لحلةٍ شاقة استمرت لعشرين سنةً قضاها متنقلاً بين البلاد طلباً للحديث وأهله.
وكان تأليف الكافي في عصر الغيبة الصغرى ، مما يوجب الاطمئنان له وأنه على درجة موثوقيَّةٍ كبيرة، حيث يمتاز الكافي بقرب عصره من عصر الاُصول المعتمدة المعول عليها، وبدقة ضبطه وجودة ترتيبه وحسن تبويبه وإيجاز عناوينه، فلا تجد فيه حديثاً ذُكر في غير بابه، كما أنه لم ينقل الحديث بالمعنى أصلاً ولم يتصرف فيه.
ثم كتابُ (من لا يحضره الفقيه) وهو الكتاب الثاني من الكتب الأربعة لدى الشيعة، من تأليف الشيخ الصدوق (المتوفّى سنة ٣٨١ هـ)، وهو عبارة عن مجموعة روايات مرتبة على أبواب الفقه، اعتمد في جمعه له على ما صحّ عنده من بين الروايات المتناثرة في ما عُرف بـ(الأصول الأربعمائة)، وكان غرضه من ذلك أن يحصل ـ مَن لا يمكنه الوصول إلى العالم الفقيه ـ على أجوبة المسائل الشرعية.
جمع الشيخ الصدوق فيه قرابة ٥٩٩٨ حديثاً، اقتصر فيها على الروايات الخاصة بالأحكام الفقهية، على العكس من كتاب الكافي.
وكتب الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة ٤٦٠هـ) كتاب (تهذيب الأحكام) ويعتبر هذا الكتاب أحد أهم كتب الأحاديث الشيعية وأكثرها اعتباراً وثالث الكتب الأربعة، وقد حظي بقبول جميع فقهاء الشيعة.
يشتمل تهذيب الأحكام على روايات في الفقه والأحكام الشرعية المروية عن أهل البيت(ع)، وقد شرح الشيخ الطوسي في هذا الكتاب كتاب المقنعة للشيخ المفيد.
يشتمل كتاب تهذيب الأحكام على الروايات الواردة في كل فروع الفقه، وهو يوفّر للفقيه والمجتهد الذي يريد استنباط الأحكام الشرعية أغلب ما يحتاجه من الروايات.
ثم ألَّف الشيخ الطوسي نفسه (كتاب الاستبصار فيما اختُلف فيه من الأخبار) جمع فيه الشيخ كل الروايات الواردة في مختلف البحوث الفقهية، وجمع أيضاً الروايات المعارضة لها.
و قد قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أجزاء، وخصص الجزأين الأول والثاني منه لبحوث العبادات ما عدا الجهاد، وخصص الجزء الثالث لسائر الأبواب الفقهية كالعقود والإيقاعات إلى الحدود والديات.
وقد حدد الشيخ الطوسي عدد أحاديث كتابه هذا، فذكر أنّ عدد الأحاديث الواردة فيه يبلغ ٥٥١١ حديثاً.
الموسوعات الحديثية
ثم جاء دور الموسوعات الكبيرة التي جمعت كلّ الكتب الحديثية القديمة (الكتب الأربعة وغيرها)، ومنها بحار الأنوار ذات المائة وعشرة أجزاء، التي استغرق جمعها وتدوينها ما بين عام ١٠٧٢هـ و١١٠٦هـ، أي ما يقرب من ستٍ وثلاثين سنة كاملةً كما صرح هو بذلك.
وموسوعة عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال للشيخ عبد الله البحرانيّ، وهو من تلامذة العلامة المجلسيّ، وتحتوي هذه الموسوعة على مائة كتاب في مائة وتسعة وعشرين جزءاً.
وكذلك موسوعة وسائل الشيعة للعلامة الحر العاملي الخاصة بالأبواب الفقهية من العبادات والمعاملات، ومستدرك الوسائل للعلامة النوري. وغير ذلك مما لا يسعنا ذكره.
#مجموعة_إكسير_الحكمة