لم يدع أهل البيت (ع) شأناً من شؤون الدين وما يرتبط به إلا وبينوه لأنهم الحريصون عليه المنصّبون لحراسته، خصوصاً تلك الأمور الكبرى التي يتوقف عليها إقامة الفرائض وأركان الإسلام، ومن تلك الأمور مواقيت الصوم والحج وباقي العبادات المرتبطة بالشهور، فبينوا بما لا ريب ولا شبهة فيه بأنّ البداية والنهاية للشهور رؤية الهلال تبعاً للقرآن الكريم الذي قال: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ..). البقرة ١٨٩
ولو كان أمر ثبوت الشهور كما يدعي فرقد القزويني لماذا لم يتطرق لذلك أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مع ما في الموضوع من الأهمية البالغة لأنه – وكما ورد عنهم عليهم السلام – (من أفطر يوماً من شهر رمضان خرج روح الإيمان منه)، فالمفروض أنّ أهل البيت (عليهم السلام) قد أشبعوا الموضوع تذكيراً وتوجيهاً للشيعة – آنذاك – بقدر أهمية شهر رمضان وصومه، والحج وأدائه، ولوصل إلينا شيءٌ من ذلك التعليم والتوجيه والتذكير، ولو رواية واحدة على الأقل، بل الواصل إلينا عنهم (عليهم السلام) خلاف ما يدعو إليه فرقد وجماعته كما سيتبين لك قريباً.
ثم كيف لم يتنبه لذلك علماء الطائفة وأقطاب العلم وسدنة المذهب من السفراء الأربعة إلى مَن بعدهم من المحدّثين والمجتهدين؟!
هل يُعقل أنّ هذا الأمر العظيم قد أغفله الكليني والصدوق والمفيد وشيخ الطائفة الطوسي والطبقة المتقدمة من أعاظمنا الذين بفضلهم وصل مذهب أهل البيت إلينا، وهذه مصنفاتهم بين أيدينا؟!
يا لَلغرابة هل هذا الموضوع الخطير يغيب عن المحقق والعلامة وابن طاووس والأردبيلي والمحقق الثاني وغيرهم ممن سبر مسالك العلوم وخبر مقاصد الشريعة؟!
هل القضية بهذا الغموض حتى غابت عن صاحب المدارك وصاحب الجواهر والأنصاري والمحققين الثلاثة وأشباههم من أساطين الفقه، وتنبّه لها فرقد القزويني؟!
ما دهى أعلامنا المعاصرين كالحكيم والخوئي والروحاني والشاهرودي والمرعشي النجفي والسيستاني والحكيم السبط وغيرهم من المحققين المدققين في تفاصيل التفاصيل حتى لم ينتبهوا إلى ما هو من أخطر مسائل الفقه؟!
ليس ذلك إلا لكون ما ينطق به فرقد وغيره مجرد هذيان غايته التخريب، تخريب دين الناس وخلط الأوراق عليهم وتشكيكهم بكل شيء، حتى لا يبقى حجر على حجر كما صرّح بذلك أحد المنحرفين.
وهذه عيّنة من نصوص متواترة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تؤكد أنّ مبدأ شهر رمضان المبارك هو الهلال ومنتهاه الهلال، وإلا فإنّ النصوص بالعشرات، مما يعني أنّ هذا الرجل يبتدع في مقابل النصوص الشرعية!!
١. فما عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه سُئل عن الأهلة فقال: “هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، وإذا رأيته فأفطر”.
لاحظوا أنّ الإمام يعلّق الصوم الإفطار على رؤية الهلال لا على أي شيء آخر.
٢. وما عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية.. الحديث.
إذن الصوم والإفطار وفق الرؤية وليس بالرأي ولا بأي شيء آخر.
٣. عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: في كتاب علي عليه السلام “صم لرؤيته وأفطر لرؤيته، وإياك والشك والظن فإن خفى عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين.
وهذا الحديث واضح في أنه إذا خفي الهلال فأتموا ثلاثين يوماً، وهذا يعني أنّ الصيام والإفطار وفق رؤية الهلال بحيث إذا خفي فعليكم بإتمام العدة.
٤. عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال ليس على أهل القبلة إلا الرؤية، وليس على المسلمين إلا الرؤية.
سبحان الله، هذا الحديث ينسف كل تخرصات المتخرصين في شأن حساب الأشهر الهلالية، ويحصر المبدأ والمنتهى برؤية الهلال فقط.
٥. عن هارون بن خارجة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام عد شعبان تسعة وعشرين يوماً، فإذا كانت متغيمة فأصبح صائماً، وإن كانت مصحية وتبصرت فلم تر شيئاً فأصبح مفطراً.
وهل هناك أوضح من هذا التصريح في كون الصيام والإفطار مرتبطين برؤية الهلال لا غير؟!
٦. عن جعفر بن محمد عليهما السلام في قوله عز وجل: ” قل هي مواقيت للناس والحج ” قال: لصومهم وفطرهم وحجهم.
يعني أنّ الأهلة توقيتات للحج وللصوم وللفطر، وكل ذلك مرتبط بالهلال فقط.
٧. عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره، أله أن يصوم؟ قال: إذا لم يشك فليفطر وإلا فليصم مع الناس.
وهذه الرواية أيضاً تربط الإفطار برؤية هلال شوال، فإن رآه متأكداً فليفطر، وإلا فليبنِ على الصوم.
٨. عن أحدهما يعني أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام قال: شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان، فإذا صمت تسعة وعشرين يوما ثم تغيمت السماء فأتم العدة ثلاثين.
يعني إذا كان مساء يوم تسع وعشرين من شهر رمضان غائماً ولم ترَ الهلال فعليك بإتمام العدد وهو ثلاثون يوماً، فالصيام والإفطار مرتبطان بالرؤية فقط.
٩. عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن علياً عليه السلام صام عندكم تسعة وعشرين يوماً، فأتوه فقالوا: يا أمير المؤمنين قد رأينا الهلال، فقال: أفطروا.
وهل هذا الحديث يحتاج إلى توضيح؟!
١٠. عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الأهلة، فقال: هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، وإذا رأيته فأفطر، قلت: أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أقضي ذلك اليوم؟ فقال: لا، إلا أن يشهد لك بينة عدول، فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم.
١١. عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين.
يعني هناك غيوم منعت من رؤية هلال شهر رمضان، فاجعل شعبان ثلاثين ثم صم.
١٢. عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال فيمن صام تسعة وعشرين قال: إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوماً.
على رؤيته..
١٣. عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أني صمت شهر رمضان على رؤية تسعة وعشرين يوماً وما قضيت، قال: فقال: وأنا قد صمته وما قضيت، ثم قال لي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الشهور شهر كذا وكذا، وشهر كذا وكذا.
يعني أنه رأى الهلال فصام بعد الرؤية تسعة وعشيرين يوماً ثم رأى هلال شوال فأفطر، ولم يقضِ يوماً، فأقرّه الإمام على صيامه وإفطاره، وأنّ الصوم والإفطار مرتبطان بالرؤية.
١٤. عن يونس بن يعقوب مثله إلا أنه قال: ثم قال لي (يعني الإمام الصادق) : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الشهور شهر كذا وقال: بأصابع يديه جميعاً فبسط أصابعه كذا وكذا وكذا وكذا وكذا وكذا فقبض الإبهام وضمها قال: وقال له غلام له وهو معتب: إني قد رأيت الهلال، قال: فاذهب فأعلمهم.
وهذا الحديث في غاية الوضوح في أنّ رسول الله (ص) قد أمر بإعلام الناس برؤية الهلال حيث أنها المبدأ والمنتهى لشهر الصوم.
١٥. عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان فقال: لا تصم إلا أن تراه فان شهد أهل بلد آخر فاقضه.
لا تصم إلا أن تراه.
١٦. عن أبي الجارود وزياد بن المنذر العبدي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام يقول: صم حين يصوم الناس، وأفطر حين يفطر الناس، فإنّ الله عز وجل جعل الأهلة مواقيت.
للكاتب #أبو_تراب_مولاي