معنى التقليد : هو اتّباع قول الغير من غير أن تطالبه بالدليل.
والتقليد سنّة الحياة، ولو لم تكن مقلداً في حياتك لم تكن عالماً فيما بعد، فأنت تقلد أباك أو أخاك أو أمك.. أنت تتعلّم من الجميع وتتبع أقوالهم.
و يمكن تقسيم التقليد إلى:
١- تقليد أعمى، ويعني أن تقلِّد شخصاً لا يوجد دليل على أنه مؤهل للإتباع وهو تقليد مذموم عقلا وشرعاً.
لاحظ هذه الآية : (وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون).
فالذم هنا لهؤلاء الذين يتّبعون آباءهم لأنّ آباءهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون، لا لمجرد الاتّباع، وإلا فقد ورد في القرآن الكريم على لسان النبي يوسف عليه السلام (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ).
والتقليد الأعمى له أكثر من صورة :
منها : اتّباع شخص معين أو فئة معينة من الناس كما تقدم في الآية الأولى.
ومنها : اتباع كل ناعق لا يثبت على شخص معين أو فئة معينة.
وهذا ما اشار إليه الإمام علي عليه السلام (وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيق) وهؤلاء أسوأ حالاً من الصنف الأول، فكل يوم هو في شأن ويتأثر بكل من هب ودب، فمرةً تجده شيوعياً ومرةً علمانيا ومرةً داعـ. شياً ومرةً شيعياً، لأنه لم يلجأ إلى ركنٍ وثيق يرجع اليه.
فيقول: قال فولتير وقال ديفيد هيوم وقال كانت وقال ديكارت وهو يقتنع بكل مقالاتهم مع اختلافها واعتمادها على مناهج مختلفة !!
٢-التقليد عن وعي: وهو التقليد لمن يكون أهلاً للتقليد مع وجود دليل على كونه مؤهلاً للاتباع
لاحظ هذه الآية ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ)، فأهل الكتاب عندهم دليل على صحة اتّباع النبي وبعد ذلك عليهم أن يسمعوا كلامه ويطيعوه من دون المطالبة بدليل على صحة ما يقوله، (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).
والسؤال المحوري:
هل تقليد الفقهاء من التقليد الأعمى؟
والجواب على ذلك:
نحن كمسلمين نؤمن بوجود مصدر تشريع وهو (القرآن وسنة النبي وآله الأطهار) وعلى المسلمين الرجوع إلى القران والسنة
هناك ضروريات فقهية قد ثبت من القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وآله وفيها لا يجوز التقليد،
ولكن لو أردنا الدخول في تفاصيل الأحكام الشرعية لوجدنا أنّ إستخراج الحكم الشرعي من القرآن والسنة لا يستطيع غير المتخصص أن يستنبطها فنحن عاجزون عن ذلك بصورة مباشرة، لأنّ علم الفقه علم تخصصي يحتاج إلى مجموعة من العلوم التي تؤهل الإنسان لتكون له القدرة على إستخراج الحكم الشرعي من (القرآن والسنّة الشريفة)، وفي تلك الحالة علينا الاحتياط في كل مسألة، وهذا غير ممكن، أو نرجع الى متخصص في الفقه يكون مؤهلاً لهذه المهمة، بل لابد وأن يكون قد استنبط الحكم الشرعي فعلاً، ولا تكفي قابلية المجتهد للاستنباط في تقليده، وإلا كان اتّباعاً لقول غير العالم فعلاً بالمسألة.
كما لابد وأن يكون عادلاً وأن يكون اثني عشرياً وسائر الشروط مذكورة في كتب الفقه.
والخلاصة : إذا كان تقليدنا عن دليل معتبر على الأهلية فهو ليس تقليداً أعمى بل هو تقليد ممدوح شرعاً وعقلا، وإذا كان تقليدنا من دون دليل معتبر على أهلية المجتهد للتقليد فهو تقليد أعمى مذموم.
ـ الشيخ عادل الهلالي