الحذر التامّ من ادّعاء الوصول إلى المراتب العلمية السامية ولا سيّما الاجتهاد والفقاهة من دون توفر شواهد وافية على ذلك بشهادة أهل الخبرة من المتصفين بالورع والدقة في شهاداتهم، التي تكون بطبيعة الحال مستندة إلى الاطلاع على الآثار العلمية للشخص كالكتب الاستدلالية والمقالات العلمية والدروس العالية ونحوها، ممّا هو من نتاج فكره وجهده لا مقتبساً من أفكار وكتابات الآخرين.
وحذارِ من تعويل الشخص على نفسه في تشخيص اجتهاده فإنّ النفس خدّاعة، وكثيراً ما تعتقد بأنّ لصاحبها امكانات عقلية وعلمية تتفق مع رغبتها وهواها ولكن لا تطابق الواقع.
وكذلك حذارِ من التعويل على شهادة بعض الطلبة الذين لم يثبت بلوغهم مرحلة كافية من العلم تؤهّلهم لتشخيص المجتهد عن غيره.
كتب أستاذ الفقهاء والمجتهدين المحقق النائيني (قدّس سرّه) بخطّه الشريف في بعض أجوبة استفتاءاته: ((لا يخفى أنّ غير المجتهد إذا ادّعى الاجتهاد كان ذلك فسقاً لا يقاس بسائر الفسوق، وكان موجباً لأن يندرج مرتكبه في أتباع الغاصبين الأوّلين، فلو فرض أنّه كان معتقداً اجتهاد نفسه ومعذوراً في خطئه بأنْ عَرَض نفسه على عدلين من أهل الخبرة بالاجتهاد المطلق وهما أخطآ في اجتهاده وصدّقا اجتهاده خطأً منهما وهو اعتمد على تصديقهما وقام بما لا يجوز صدوره من غير المجتهد، ففي خصوص هذه الصورة لا يكون دعوى الاجتهاد وتصدي ما لا يجوز صدوره عن غير المجتهد قادحاً بعدالته وإلا كان من أعظم الفسوق وأعظم المعاصي وقد غصب مقام النيابة عن صاحبه أرواحناه فداه وصلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين فاندرج في أتباع الظالمين الاوّلين)).
وبذلك يُعرف أنّه لا ينبغي أن يغترّ المرء بحضور عدد ولو غير قليل من الطلاب مجلس درسه وإن كان فيهم بعض الأذكياء فيتوهّم أنّه بلغ رتبة عالية من العلم، ولا سيّما أنّ دواعي الحضور متنوعة ولا تنحصر في الاعتقاد بأهلية المدرّس كما هو واضح.
– سماحة السيد محمد رضا السيستاني (دامت بركاته).
#مجموعة_إكسير_الحكمة